الوضع العام في تونس
الوضع العام في تونس : تحول 25 جويلية هل هو تصحيح مسار ثورة 14 جانفي 2011 أو مواصلة في مسار الثورة المضادّة؟
شهدت تونس منذ رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي تداول كثيف على السلطة، في إطار سلمي ديمقراطي سند مشروعيته إلى الإنتقال الديمقراطي، مكّن هذا الانتقال من صعود قوى وطنيّة وأخرى تستند إلى مرجعية دينية سمّتها المعارضة بالإسلام السياسي، وقد فشلت فشلا ذريعا في إدارة البلاد التي خرجت من مسار ثوري تبعه تهديد الإرهاب طيلة 7 سنوات .
وفي انتخابات 2019 فاز شعار الشعب يريد، الذي كان يقودهُ قيس سعيد مع مجموعة من الشباب المنهك سياسيا والخارج من أحزاب يسارية تفككت أثناء اندماجها مع منظومة الانتقال الديمقراطي .
خلال الفترة الأولى من حكم الرئيس قيس سعيد كان وحش الإنهيار الإقتصادي وتردي الأوضاع الإجتماعية وانهيار المؤسسات العمومية يخيّم على البلاد وبدت نذرُ المجاعة آنذاك على الأبواب، فما كان أمامهُ إلا أن يوظف خطابا شعبويّا .
قام قيس سعيد بمواجهة الإنهيارات بالهجومات السياسية على المنظومة القديمة وأقنع أنصاره وعموم الشعب التونسي بضرورة تطهير البلاد من الفساد وأعلن حربا وهمية عليه وقد دعمه الشعب التونسي في إجراءات 25 جويلية 2021 ومن بينها حلّ البرلمان وتجميد أعضاءه وتجميع سلطات البلاد الثلاث في قبضته .
لقد بارك خطاب الرئيس الشعبوي كل القوى الوطنية والقومية والإتحاد العام التونسي للشغل واعتبروه المنقذ الوحيد للبلاد التونسية فيما أصابهم العمى في مسألة الوضع الإقتصادي والوضع الإجتماعي الخارج عن السّيطرة . وقد شهدت البلاد إيقافات بالجملة طيلة عام لقيادات من أحزاب الإسلام السياسي وأخرى ليبرالية، وقد كانت هذه الخطوات ذريعة له للتمسك بخطابهِ الشعبوي الذي كان يغطي الانهيارات والفشل في تسيير شؤون البلاد .
– الإصلاح السياسي المزعوم إنعكاساتهُ موجعة على الشعب التونسي .
في عشرية سوداء دفع الشعب التونسي ثمنها باهضا، تم التفريط فيها بجملة المنشئات والمؤسسات العمومية لفائدة رأس المال الوطني أو الخارجي وارتفاع سعر الدينار إلى ثلاث أضعاف مقابل اليورو وانخفاظ المقدرة الشرائية للشعب، استمرّ الحكم الجديد في نفس المناويل الإقتصادية والخيارات المعادية للطّبقات الكادحة .
وقد تم تبرير ذلك الفشل الذّريع بالإنتصار على أعداء الشعب السابقين، الذين ما هادنوا لحظة في شرب دماءه وأنّه المخلّص الوحيد له من سلطة المافيات والمتهرّبين والفسدة ووكلائهم .
أمام هذا الخطاب الشعبوي يحاجج الرئيس وأنصاره الكثر بأنهم استغلوا اللحظة التاريخية وانقلبوا على أعداء الثورة التونسية وأنه ذاهب نحو اللاعودة في مسار الإصلاح الإقتصادي والحقيقة الثابتة أنهم يذهبون بالبلاد نحو المجهول سواء كان ذلك سياسيا أو إقتصاديا .
ان غياب البرنامج السياسي الحقيقي والذي يهدف إلى التغيير قد كشفَ خلال الفترة الأولى من الحكم، فلم تتم ملاحظة أي تغيّر إيجابي في كل المستويات، ورافق ذلك تخبط الرئاسة وردود أفعالها الطفولية وصناعةأعداء من ورق .
في المقابل فقد الشعب التونسي ورقته الوحيدة التي خرج بها بعد الثورة وهي الحرية السياسية وحوّمت ديكتاتورية جديدة في الأفق انطلقت مع 25 جويلية 2022 .
– إستفتاء 25 جويلية : الديمقراطية الشكلية لا تعدد الخيارات الحقيقيّة .
أمام منظومة قديمة فاسدة برمتها، وخطاب شعبوي كست به الرئاسة نفسها، لم يكن أمام الشعب التونسي الذي انطلت عليه حيلة الديمقراطية الشكلية سوى أن يبارك الإستفتاء وكانت النتائج كالآتي : نسبة مشاركة لم تتجاوز 30%، 6% رفضوا و94% أعطوا الشرعية للدستور .
لم يكن الدستور الجديد بديلا إنما كان بمثابة خروج الرئاسة من الورطة واكتساب مزيد من الوقت، أما بالنسبة للشعب التونسي فقد كان بالنسبة إليهم الخيار الوحيد لطي صفحة العشرية المظلمة في تاريخ تونس .
والحقيقة أن هذا التحول الذي يكسب نفسه الشرعية السياسية من خلال الإنقلاب على منظومة الانتقال الديمقراطي والتي صعد من خلالها إلى الحكم لم يكن إلا تتويجا لمسار ديمقراطي شكلي وتوسع للبورجوازية التونسية على حساب أغلبية مفقرة من الشعب التونسي .
-25 جويلية 2022 : دستور رجعي يحافظ على “الحقوق الإقتصادية” لرأس المال ورذوخ تام للإملاءات الخارجية وتهميش أوسع لفئات الشعب التونسي .
بعد الإستفتاء الذي قاطعته أغلبية الشعب التونسي، إما مقاطعة واعية وإما يأسا من المشهد السياسي ، وتوجه ثلث الشعب فقط، لاحظنا أن الدستور لم يكن ليعادي ضمنيا إلا الطبقة الكادحة والمفقرة لأنه حافظ على العلاقات مع رأس المال وتصالح مع المافيا الإقتصادية، إذ لم يوفر قوانين اقتصادية تحمي المجموعة البشرية المهددة بالفقر وتقطع مع الاقتصاد الريعي الناهب لثروات البلاد البشرية وغيرها .. في حين كان خطاب الرئيس خطابا متعاطفا إلى أبعد حد مع الجماهير المنكوبة .
-سلطة تنفيذية : دمى متحركة .
بعد أيام قليلة من إجراءات 25 جويلية 2021 تم تعيين حكومة تترأسها نجلاء بودن رمضان . وهي حكومة أقل ما يقال عنها أنها القط المطيع لقصر قرطاج، ولا تتجاوز برامجها غير إدارة المؤسسات بشكل عادي، إذ هي سلطة عرضية بلا برامج ولا نفوذ وهي قابلة للتحوير في أي لحظة من رئيس الحمهورية، ولعل أهم ما يؤكد كلامنا هو الإختفاء المتواصل لرئيستها عن الإعلام طيلة مدة حكمها ولا نراها إلا في قصر قرطاج بعد دعوتها من رئاسته، أو في لقاءات رسمية مع وجوه مختلفة .
إن غياب الخيارات والبرامج الإقتصادية والإجتماعية هو نتيجة لمرحلة كاملة من الفوضى السياسية وحقن المورفين في عقول الشعب التونسي وتنويمه بالخطابات الشعبوية و الوعود الزائفة والألعاب البهلوانية، ولعل إنكماشته في الفترة الأخيرة هي بداية يأس من هذه المنظومة المتواصلة منذ 14 جانفي 2011 إلى حد اللحظة، وربما هذا العزوف السياسي ينبؤ بالخير في قادم السنوات .
قوى المعارضة الجديدة .
قوى المعارضة الجديدة .
منذ 25 جويلية 2021 وعلى أثر تولي الرئيس الحالي قيس سعيد إدارة الشؤون السياسية وتجميعه للسلطات الثلاث تشكل مشهد جديد للمعارضة السياسية في تونس تحركه قوى أجرمت في حق الشعب وغيرت المسار الثوري منذ صعودها للحكم وتسقط المطالب التي جاءت بها الثورة والمتمثلة في “جبهة الخلاص الوطني” تضم 5 أحزاب هي “النهضة” و “قلب تونس” و “ائتلاف الكرامة” و “حراك تونس الإرادة” و “الأمل” وفي الجانب الآخر “الحزب الدستوري الحر” والتي تترأسه منذ تأسيسه 2013 عبير موسي. لم تكن هذه القوى في فترات تواجدها داخل منظومة الحكم سوى أداة لمزيد تكريس حكم الأقلية المالكة على أغلبية الشعب الذي تم الإستيلاء على ثورته ضمن مايسمى “بالانتقال الديمقراطي” و “الديمقراطية التمثيلية” وهو مايدفعنا اليوم إلى القطع مع جميع هاته القوى والإتجاه نحو النضال اليومي ودفع الحركات الثورية المناهضة لمسارات الإنقلاب على الثورة وتهيئة برنامج بديل يتطلع إلى انتظارات الشعب.
خضوع نقابة العمال وإملاءات موجعة من صندوق النقد الدولي.
لقد أفرغوا الأسواق من المواد الأساسية والمدعمة، وهي حركة مخاتلة قامت بها الحكومة لترفع الدعم شيئا فشيئا دون أدنى اعتبار لمقدرة الجماهير الشرائية وهذا الإجراء هو إملاء من صندوق النقد الدولي الذي يحكم البلاد منذ قيام ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي .
في المقابل ذهب الرئيس لمهاجمة الإحتكار واهما الناس بأن المحتكرين هم وراء الأزمة المتمثلة في فقدان المواد الأساسية كالسكر والزيت والحليب .
مع فقدان المواد المدعمة تكدست في السوق مواد بديلة للمواد المدعمة لكن بأسعار عالية تجاوزت خمسة أضعاف .
إن الحكومة الحالية هي حكومة ترعى مصالح صندوق النقد الدولي (FMI) في تونس ولا تتهاون لحظة واحدة في الخضوع والطاعة لبرامجه .
فيما وقف الاتحاد العام التونسي للشغل مكتوف الأيدي أمام هذا الإنهيار في الدينار التونسي وارتفاع الأسعار في المواد الأساسية ورفع الدعم وتجه نحو الصراعات السياسية التي لا مصلحة للشعب التونسي فيها .
إن فهم الواقع ومتطلبات المراحل تُكتسب بالتجارب ونضوجها، لذلك نحن نطلب من كل فئات الشعب التونسي إلى مواصلة نضالها ضد السلط العميلة والمطبعة مع رأس المال وندعوها إلى التوحد والتنظم في بديل حقيقيّ يكسبُها مشروعية الدفاع عن حقوقها وافتكاك السلطة، التي هي سلطتها، والدفاع عن هذه البرنامج العاجل .
– تقديم المعطيات الصادرة عن صندوق النقد الدولي والتصدير لسياسة الإملاءات.
– زيادة الأجور نظرا للتضخم والعجز لاقتصادي .
– تشغيل العاطلين عن العمل .
– توفير الموارد الأساسية والتحكم في الأسعار وضبطها.
– التصدي لسياسات الخوصصة والدفع نحو تعزيز القطاعات العمومية الحيوية (النقل،الصحة،التعليم)
– التصدي لإملاءات صندوق النقد الدولي.
اترك تعليقًا