تضامن Solidarité

عشر سنوات في جدل الثورة التونسية – حصار مسارات الثورة المضادة لن يثني الجماهير عن تحقيق مطالبها

تمر اليوم الذكرى العاشرة على اندلاع ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 ولا يمكن بمناسبة هده الذكرى أن لا نعرج الى ما وصلت اليه المسارات والأحداث السياسية الهامة التي انبثقت مند اندلاع هذا الحدث التاريخي الفارق ليس فقط في المتغيرات الحاصلة في تونس فقط بل على مستوى العالم أجمع.

يكفي أن نستذكر ونذكر أن الحكومة الحالية هي الحكومة التاسعة ما بعد الثورة التونسية وان دل هذا عن شي فإنما يدل على حالة اللاإستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد وبصورة راهنة وأوضح نقول أننا عرفنا ثالث رئيس حكومة في أقل من 10 أشهر على تنظيم الانتخابات وهو تأشير يبين بوضوح حالة التدافع السياسي والأوضاع المتقبلة والمتسارعة داخل منظومة الانتقال الديمقراطي اذ عرفنا لأول مرة في تاريخ البلاد السياسي والبرلماني سقوط أول حكومة قبل المباشرة بعدم تزكيتها في البرلمان وهي حكومة “الحبيب الجملي” التي ولدت في الأصل ميتة ، أما حكومة “الياس الفخفاخ” فقد انتهت باستقالة مدوية على أثر التجاذب والمناورات السياسية بما يسمى قضية تضارب المصالح من جهة والدعوة الى تدعيم الحزام الحكومية بتمثيلية أحزاب أخرى في الحكومة حيث كانت الإشارة هنا واضحة ودليل قاطع على تعفن منقطع النظير للوضع السياسي ،لتأتي أخيرا حكومة “المشيشي”غير المتحزبة على أمل انهاء حالة العطالة الحكومية في الاشتغال حتى داهمها ما يداهم سابقاتها وهو ضمان أوسع حزام سياسي فقد اختارت التواصل بطرق ملتوية وبسلوك المتلعثم في اتخاذ قرارا واضحا سواء بالتأكيد أو النفي وبالتالي لايمكن وصف المواقع الذي تبوأته الحكومة غير أنها متواجدة في منطقة رمادية لا أكثر .وأشارت حالة الانسداد السياسي التي تفاقمت بعد “إنفجار التقاطع الحكومي الرباعي”( بين حركة النهضة وحزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب و حركة تحيا تونس) أن الإتيان بحكومة المشيشي كان أمرا مقضيا أمام اللاعبين البرلمانيين الأساسيين للبقاء سياسيا في الحكومة أو إعادة الانتخابات وهو اختيار بين ماهو سيء وأسوأ ما جعل تزكية الحكومة كضرورة سياسية في الوقت الراهن ورغم إعادتها رسم خارطة التحالفات بقيام جبهة برلمانية تجمع “أصدقاء الخير والشر ” بين (حركة النهضة و حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة ) فإن حكومة المشيشي التقنية ظلت بلا أصدقاء ولا أعداء في سلم الفعل السياسي وهي مفارقة سياسوية صرفة .

إضافة الى هذا كله وطيلة ثلاثة أشهر تابعت الحكومة نفس النهج السياسي لدى سابقتها في التعامل مع وباء فيروس كورونا ولكن بعد انفراط العدوى أقرت بأنه لابديل عن حل “التعايش الضروري مع الوباء ” ويأتي هذا القرار المسقط والمرتجل وسط مزيدا من تردي منقطع النظير لأوضاع القطاع الصحي وحيث تسير الأرقام الى فقدان 170 ألف وظيفة حين تخطت نسبة الانكماش الاقتصادي 20% وبلغت نسبة البطالة 18% وهي أرقام مفزعة ولها دلالة واحدة فقط أن هؤلاء ليس لهم إرادة في تغيير حقيقي بل أصبحوا مجرد دمى متحركة لاملاءات القوى الإمبريالية و صندوق النقد الدولي هذا ونشير الى عودة تتواتر الاحتجاجات الاجتماعية فمنذ أن قامت الحكومة باغلاق ملف “الكامور ” حتى انفتحت لها موجة عالية من المطالب القطاعية والمناطقية من الاعتصامات والاحتجاجات الاجتماعية على غرار مدن الكاف والقيروان وجندوبة التي خاضت اضرابات جهوية عامة مطالبة بتنمية عادلة لجميع الجهات وفتح ملفات الفساد ومطلب التشغيل للجميع وكان ألمح رئيس الحكومة الى تمادي الاحتجاجات العفوية ووصفها بالفوضية ويجب ايقافها بقوة القانون …إضافة الى سياسة التهديد والوعيد شأنها شأن الحكومات السابقة في التعامل مع المطالب الاجتماعية والحركات الاجتماعية ،تجلت حالة مخاض عسيرة عرفها مشروع قانون المالية وميزانية الدولة وسط مناخ سياسي متعفن نتيجة الشعبيوية وسياسات الالتواء وتوجيه الرأس العام عن القضايا الجوهرية والأساسية وآخرها تحول البرلمان الى ساحة عنف مادي ولفظي بشكل يومي وهذا ما حاولت بعض الأحوال التسويق على أنه نتيجة من نتائج الثورة الكارثية وبالتالي تتوالى دعوات كثيرة الى مدى نجاعة النظام القديم ونظام بن علي ما قبل الثورة في توفير الأمن العام والحاجيات الأساسية للمواطن التونسي ووسط هذه الأجواء لم يأتي تصريح المركزية النقابية الاتحاد العام التونسي للشغل الا باعادة تشكيل ما يسمى “حوار وطني بين المكونات السياسية ” ووسط الأحداث السياسية والاجتماعية المتقلبة تقف دائما وأبدا البيروقراطية النقابية في لعب أدوارا مزدوجة وأساسها :رجل مطافئ لشرارة الحركات الاحتجاجية و ومهمة انقاذ منظومة المافيا والاوليغارشيا من الانهيار ويأتي هذا السلوك السياسي المفهوم بحيث أصبحت البيروقراطية النقابية جزءا من خارطة المنظومة وتنعم بامتيازات مالية ولوجستية وخدماتية في مستوى عال وهي لا تختلف في جوهر مصلحتها عن مصلحة المنظومة المافيوزية ولعل مؤشر الدعوة الى التصويت العلني لمؤتمر غير انتخابي لتعديل الفصل 20 كان بمثابة كشف تام لزيف البيروقراطية ونضالها من أجل تحسين ظروف المادية والمعنوية للطبقة الشغيلة ..ان نداءات الحوار الوطني هو ضربة موجعة من قبل الجالسين على مائدة الحوار واللذين أبدا “لن يتنازلو ولو عن جزء بسيط من امتيازاتهم كي يصبحوا بشرا ” فمن بين المقترحات التي وقع اسقاطها من قبل الاغلبية اليمينية بمختلف مشاربهم وتلويناتهم وقع اسقاط مشاريع القوانين التالية :

-مقترح طرح ديون أقل من خمسة آلاف دينار لصغار الفلاحين

-مقترح طرح ديون أقل من خمسة آلاف دينار لصغار الحرفيين

-مقترح احداث صندوق لذوي الاحتياجات الخاصة

-مقترح اقتطاع 0,5 % من أرباح الشركات المالية قصد تعبئة ميزانية الدولة لاحداث فرص شغل .

-مقترح تشغيل 10 آلاف كدفعة أولى ممن يشملهم قانون 20/38 لمن طالت بطالتهم

-مقترح قانون يتمتع فيها كل مواطن بإمتياز جبائي عند شراء السيارة الأولى

-مقترح إضافة جزء تعويضي للمتقاعدين ممن اشتغلوا في القطاع الهش حتى تصبح الجراية 250 دينارا عوضا عن 180 دينارا.

تأتي هذه الاجراءات التي من الواضح أنها لا تصب إلا في مسار الثورة المضادة هذا بعد صعود التيارات الشعبوية والقوى اليمينية بمختلف تلويناتها وتمضهراتها أفرز في الحقيقة وضعا متعفنا ومشهدا لايمكن وصفه الا لأنه “مسرح المهزلة السياسية” بعد غياب اليسار بصفة شبه كلية عن المشهد السياسي وتفكك الجبهة الشعبية التي ربما لكانت موحدة أكثر على قاعدة الفرز التام في مسار ثوري بين من هم أصدقاء ومن هم أعداء الشعب …لذلك كانت السياسية الانتخابية محورا مفصليا داخل الجبهة ومحددا المستقبل العلاقات بين الاطراف السياسية ومكوناتها داخلها وكانت نقطة اللاعودة . مايمكن استخلاصه وتمثله في هذا الواقع السياسي المتقلب أن نقطة الاستقرار السياسي لن تكون إلا في مرمى الجماهير وعلى حساب مطالبهم ومطالب الثورة منذ اندلاعها “الشغل والحرية والكرامة الوطنية ” ولذلك كانت مواجهة المنظومة المافيوزية ضرورة ثورية وليس ضرورة سياسية داخل مشهدية الانتقال الديمقراطي ،إن التنظم وطرح المهام الملحة حيث برنامج نضالي يطرح بديلا جذريا عن سياسات الرأسمالية واملاءات القوى الإمبريالية وبديلا عن الخيارات التبعية التي تفرضها المنظومة المافيوزية قسرا على الجماهير هو الخيار الأنسب والأوحد لاستعادة الطريق الصحيحة لمسار الثورة في تونس . “نحن لا نفترض صحة مواقفنا على الشعوب بل على الشعوب أن تدرك أخطائها من خلال تقييم تجاربها الخاصة بنفسها -لينين” .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: