تضامن Solidarité

من أجل التغيير الحقيقي: الخيار ثوري أو لا يكون

حصلت حكومة “هشام المشيشي” يوم 02 سبتمبر 2020 على منح الثقة البرلمانية بأغلبية مريحة تمثلت ب 134 مقعدا من جملة 217 مقعد برلماني ,ورغم خياراتها الاعتيادية مثلها مثل الحكومات السابقة ما بعد ثورة ديسمبر -جانفي 2011 .فإن الظروف والسياقات والمتغيرات على المستوى المحلي والعالمي تبرز الولادة الاستثنائية لهذه الحكومة وشكل تكونها منذ البداية وبمعنى آخر : كانت الحكومة وليدة صراع سياسي حاد بين تحالف أغلبي برلماني ورئاسة الجمهورية وكان تشكلها بالتوازي مع الظروف الاقليمية المتقلبة وتواصل تفشي وباء كوفيد-91 في أنحاء العالم هذا إضافة الى الوضع المحلي الذي يشهد انحطاط وأزمة متفاقمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي المعيشي بداية من انحدار غير مسبوق في نسبة النمو السلبية التي بلغت نحو 6,5 %- , وتفاقم البطالة التي يقدر نسبتها ب 19% مع موفى سنة 2020 وتواصل موجات الهجرة الغير نظامية حوالي 7890 مهاجر غير نظامي الى حدود أوت 2020 وارتفاع منسوب الجريمة المنظمة , هذا وتمثل المديونية نسبة 86% من الناتج الوطني الخام.

تحدث رئيس الحكومة يوم جلسة منح الثقة بالبرلمان أن المهمة الرئيسية هي إيقاف نزيف تدهور الاقتصاد وطبعا لم يتورط في سردية الوعود الزائفة والبرامج الوهمية كما فعلت جل الحكومات السابقة في علاقة بمسألة التشغيل و البنية التحتية وغيرها من المسائل الاقتصادية والاجتماعية الملحة والعاجلة . يذهب البعض من خلال هذه المقاربة الى توصيف الحكومة بأنها “ حكومة الواقعية “ وربما في اعتقادهم أن الواقعية هي عدم تقديم وعود زائفة والاكتفاء بحماية البلاد من الانهيار الاقتصادي …نعم نعتقد أن هذا التوصيف مقبول بالنسبة لأولئك الذي يرون الأشياء بعين واحدة .ولنترك هذا الأمر لبرهة ونتأمل الأسئلة التالية : من المسؤول الأساسي عن الانهيار الاقتصادي؟ أليست الحكومات المتعاقبة ومن بينها هذه الحكومة التي تتخذ نفس التوجه ونفس الأساليب والحال أن تراكم فوائد الدين الخارجي والداخلي وارتفاع نسب الفوائد أمام انهيار العملة المحلية “ الدينار “ أليس هنا مكمن الانهيار والتضخم المالي ؟ من هم المعنيون أساسا ومباشرة بمسألة الانهيار الاقتصادي ؟ هل يمكن الحديث عن الأجير والمهمش والطالب والشباب المعطل عن العمل أي هذا النسيج الطبقي الاجتماعي بأنه هو المعني والمتضرر من انهيار الاقتصاد أم أن المعنيون حقيقة هم أولئك متهربي الضرائب والشبكات المافيوزية التي تتحكم في المبادلات التجارية والادارية والأسعار و رجال الأعمال المتنفذين في دوائر الدولة وأسلاكها والذين لا يدخرون جهدا في امتصاص دماء وعرق الفئات الضعيفة والمفقرة ؟ ماالذي ستقدمه الحكومة من اجراءات مسؤولة وحمائية لحماية الشعب التونسي من التفشي المتسارع لوباء كوفيد -19 والحال أن الجميع يكتفي بمشاهدة الوضع الصحي المتردي وازدياد عدد المصابين الذي أصبح يفوق الألف اصابة في بعض الأيام وارتفاع عدد الوفيات أكثر من 214 وفاة الى حدود يوم 27 سبتمبر 2020 ؟ هل تعني الحكومة “ بايقاف نزيف التدهور الأقتصادي” أن مواجهة العمال والشباب والمهمشين لهذا الوباء ومباشرة أعمالهم أو بحث عن مصدر لقمة عيشهم هو أمر حتمي لا مفر منه والحال أن الجميع يعرف جيدا أحوال شبكة النقل العمومي المتردية ؟ سوف نتسائل أيضا عن مشاكل البنية التحتية وخاصة الطرقات وقنوات الصرف الصحي وملفات الفساد التي “غمرتها” الفيضانات الأخيرة ولكنها كانت قبل كل شيء وفي نفس الوقت ظاهرة للعيان ,ولنا أن نتسائل أيضا عن مصير مئات الآلاف من المعطلين العمل سوى كانوا من أصحاب الشهائد العليا أو دون ذلك سوى كانوا من قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس المفروزين أمنيا أو من الشباب المهمش داخل أحزمة الفقر والجهات الداخلية “المقصية”.

ان هذه الأسئلة الكبرى التي طرحناها لم تكن أسئلة اعتباطية بل كانت جوهر شعارات الثورة التونسية 17 ديسمبر -14 جانفي 2011 والآن يمر عقد بتمامه وكماله ولم نرى أي تغيير أو إرادة سياسية من قبل الحكومات المتعاقبة نحو التغيير . وهذا ما يحيلنا الى أن “حكومة الواقعية “ لن تذهب ولو في اجراءات حمائية أو في تلبية مطالب اجتماعية مستعجلة لفائدة النسيج الطبقي الاجتماعي الذي قدم كل التضحيات من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في حين يكتفي متهربي الضرائب والشبكات المافيوزية والمحتكرين والمتنفذين الماليين بمواصلة جني امتيازاتهم وأرباحهم المتراكمة …يحدث هذا أمام تراكم المديونية وتفاقم العجز التجاري بنسبة 50 % وعجز المالية العمومية وتضخم مالي متواصل أمام انهيار الدينار المتواصل .ان الخيارات واضحة بالنسبة للحكومة الحالية وكغيرها من الحكومات المتعاقبة وهي سياسة الهروب الى الأمام وترك المفقرين والمهمشين يدفعون تكلفة هذا الخيار (الهروب ) لوحدهم عوض الجلوس وتمعن مسلكية هذه الطريق المعبدة بالدماء والجوع .ان رؤيتنا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة تستوجب علينا طرح النقاط التالية لعموم الشعب والرأي العام والحركات والأحزاب المعنية بالتغيير الثوري وليس مسار الانتقال الديمقراطي الذي يدفع الى مزيد من تعفين الحياة السياسية واجهاض مسار ثوري بأكمله ولذلك وبناء عليه نقترح :

-الحجر الصحي الشامل لمدة 21 يوما ومع تقديرات اللجنة العلمية المستقلة في قراراتها بالتمديد أو الاكتفاء.
-اقرار منحة استثنائية لا تقل عن الحد الأدنى الصناعي والفلاحي لفائدة العائلات المعوزة.
-اقرار منحة استثنائية لفائدة عموم المعطلين عن العمل.
-تركيز مستشفيات وخلايا ميدانية للتقصي والقيام بالتحاليل اللازمة ومعالجة المصابين بعدوى فيروس كورونا بجميع معتمديات البلاد.

-الحرص على توفير ورسكلة المعدات الصحية واللوازم الطبية ومزيد تهيئة المستشفيات العمومية بأسرة انعاش اضافية وأجهزة التنفس الاصطناعي.
-وضع خطة مستعجلة لتحديد كلفة رمزية لاجراء الإختبارات والتحاليل بالمصحات الخاصة وتعميمها على جميع المصحات دون استثناء.
-إيقاف الدروس بالمدارس الابتدائية والمعاهد والكليات العمومية والخاصة لمدة 21 يوما.
-تأمين خلاص الأجور بالنسبة لعمال القطاع الخاص خلال فترة الحجر المقررة.
-تركيز وحدات لتوفير المواد الأساسية الغذائية للمهمشين والعمال العرضيين والغير المنتسبين للقطاعات العمومية أو الخاصة او الشبه عمومية وكذلك لفئة الأجانب من الأفارقة . نعتقد أن هذه الاجراءات وان تم تفعيلها على أحسن وجه سوف تكون طريقا مؤمنة للخروج من أزمة تفشي الوباء وحماية الأفراد والعائلات قبل كل أي تدابير أخرى.

اضافة الى الخطة المذكورة أعلاه فانه يستوجب التذكير بفتح الملفات الكبرى :
-ملف التشغيل حيث يمر عشر سنوات عن اندلاع الثورة التونسية دون وضع خطة جذرية بتشغيل مئات الآلاف من المعطلين الذين ينتظرون انصافهم بتشغيل لائق يضمن كرامتهم بحجة عجز موازانات المالية العمومية …في حين أن الحكومات المتعاقبة اختارت نهج التشغيل فوق القدرة في الادارةالعمومية والقطاعات الامنتجة وبالتالي كان التخفيض في الأجور أمرا متعمدا ولذلك نعتقد بأن الحل هو التوجه الى تركيز قطاعات عمومية منتجة (صناعات تحويلية…على سبيل المثال )
-فتح ملفات الفساد المعروضة و التحقيق الجدي والمستقل في الملفات الأخرى المسكوت عنها.
-فتح ملف الموارد الطاقية والمنجمية لاطلاع العموم وبشفافية تامة حول : ( الموارد-الاخلالات -ملفات الفساد والبيروقراطية الادارية -الطاقة التشغيلية -المداخيل – توجيه العائدات للبنية التحتية والتنمية المحلية في الجهات الداخلية الأكثر فقرا ).
-اقرار ضريبة تصاعدية واستثنائية على أصحاب الشركات الكبرى.
-مصادرة أملاك المتهربين ضريبيا لسنوات والكشف عن كل ملفات التهرب الضريبي لأصحاب المليارات ودعم الخطة بهيئات رقابية دائمة ومستقلة في قراراتها.
-اعادة جدولة الديون وايقاف التداين نهائيا.
-الشروع في بناء مدارس ابتدائية عصرية ومستشفيات كاملة المعدات واللوازم الطبية خاصة في المناطق النائية والأرياف ومع توفير وسائل النقل للتلاميذ وتعبيد الطرقات بما يضمن بنية تحتية جيدة وحماية المتساكنين من الفياضانات وتسهيل التنقل اليومي.
-المزيد من دعم المشاريع الثقافية الهادفة للتغيير في الأوساط الريفية والمناطق الداخلية والأحياء الشعبية.

ننا نطرح هذه النقاط المذكورة اعلاه كجملة من القضايا الراهنة من أجل استكمال مهام المسار الثوري واننا على وعي تام بأن الخيارات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة ومن بينهم هذه الحكومة الحالية هي في حقيقة الأمر توجهات لا تخدم ألا أصحاب الثروات الكبرى ومتهربي الضرائب والشبكات المافيوزية التي تنفذت في كل الأسلاك الادارية تقريبا و على القياس غياب إرادة سياسية في التغيير من الذين تداولوا على السلطة حيث لا تخدم هذه التوجهات استراتيجيا سوى مصالح ومطامع القوى الخارجية الدولية والاقليمية في مواصلة بسط هيمنتها ونفوذها على البلاد التونسية أي الاستعمار الجديد. المحاور النضالية واضحة المعالم ضد هذه السياسات والعمل على مقاومتها مبدأ وقناعة راسخة وعلى كل نفس ثوري أن لا يشوبه الارتباك مع تعالي الدعاية الشعبوية والمناورات الخسيسة للاغلبية البرلمانية ولاحتى الرقصات البهلوانية للحرس القديم .من أجل النهوض والمقاومة ومن أجل طريق واحدة طريق استكمال مهام المسار الثوري حتى النصر.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: