تضامن Solidarité

تثور أمريكا اللتينية مرّة أخرى ضد النيوليبرالية

تعوّل أمريكا اللاتينية على الصّيرورة كأحد مراكز النضال الطبقي على المستوى العالمي، فالمشهد هناك يتطور بعناصر الثورة و الثورة المضادة(…) وتحيي ذاكرتنا بالنضالات التي خاضتها هذه المنطقة في مستهل هذا القرن رغم بقائها معزولة آنذاك . عكس اليوم تماما الذي نلاحظ فيه تعميما عالميا للمقاومة الطبقية.

بلدان أمريكا اللاتينية ليست الاستثناء في عملية التطور الإجتماعي والإقتصادي . فهذه الدول تعاني غالبا من ركود إقتصادي و من تهديدات واقعية حول حدوث أزمة مالية خانقة. وهو الأمر هذه الذي مهّد للإنتفاضات الشعبية والهزائم الانتخابية لليمين الليبرالي في العديد من البلدان . تمثَّل هذه المجتمعات بأنابيب الضّغط ، فهي على أهبة الإنفجار في أي لحظه. وربما يكفي القول بأن الحركة الجماهيرية في شيلي انفجرت بعد أيام قليله من وصف الرئيس سيباستيان بييرا بلده بأنه “واحة للاستقرار” في أمريكا اللاتينية!

“أزمة قوى اليمين”

تشكلت بمنطقة أمريكا اللاتينية عدة حكومات تقدمية و حتى من يسار الوسط نتيجة لتصاعد حركات جماهيرية هناك، وربما لا يكون بالإمكان أن نخضع لنفس المقياس حكومتي “لولا” و “ديلما روسيف” بالبرازيل , “رافائيل كوريا” بالاكوادور , “تشافيز” و “مادورو” بفنزويلا , “كريستينا كيرشنر” في الأرجنتين و “أيفو موراليس” في بوليفيا ولكنه لا يمنع من القول بأن كولمبيا و البيرو و الشيلي كانت منذ فترة توصف بالبعيدة “المعاقل الوحيدة للنيوليبرالية” في المنطقة . و الحكومات الأخرى التي صعدت عبر تعبئة جماهيرية هائلة اتخذت تدابيرا عدّة لإعادة توزيع الثروات، مستفيدة بذلك من طفرة هامة في المواد الأولية، ولكنها لم تُواجه بنفس الحدة كبار الملاكين العقاريين و الشركات الكبرى حتى في الأقطار التي كانت فيها المواجهة أكثر جدية مثل فنزويلا و بوليفيا .

حتى إن ٱهتزّ البناء الرأسمالي قليلا هناك فإنه بقي قائما وحدث هذا بطريقة إنتخابيه من خلال انتخاب “ماكري” في الأرجنتين في 2015 ، وحدث أيضا من خلال الانقلابات ، إلى جانب الانتخابات ، كما في حاله هندوراس (2009) ، باراغواي (2012) ، و بتأثير أكبر في البرازيل (2016).

أما في فنزويلا ، فقد أدّت هزيمة حكومة “مادورو” في انتخابات الجمعية الوطنية في 2010 إلى صعود اليمين ،وشهدت بذلك فنزويلا تحولا استبداديا وضعته الحكومة.

كما حاول اليمين الرجعي (صراحة) تنفيذ انقلاب ترعاه الامبريالية في ذلك الوقت ، سماه البعض “بالتحول اليميني” في أمريكا اللاتينية.

وقد حاججنا دائما بأن هذا ليس هو الحال، وأن خيبه الأمل نتيجة ضعف الحكومات التقدمية التي تستغلها القوات اليمينية، لا تعني بأي حال من الأحوال أنها ٱلتزمت بالمشروع السياسي لهذه الاخيره. وكاننا مقتنعين بان الظروف المادية للجماهير التي تعيش تحت الراسماليه ستؤدي إلى انفجارات اجتماعيه جديده… و حصل ذلك فعلا، فقد فشلت القوات اليمينية في تحقيق الاستقرار في مختلف بلدان أمريكا اللاتينية.

أسهمت القوى اليمينية في إفشال محاولات الانقلاب المختلفة في فنزويلا. وعلى الرغم من تحول “مادورو” الواضح إلى اليمين ، مصحوبا بزيادة التسلط ، فإن غالبيه السكان يدركون ان البديل التقليدي للجناح اليميني سيكون اسوأ منه ، وان السّمة الرئيسية للوضع الحالي هي أزمة قوات الجناح اليميني الذي عاد إلى السلطة .. واتحدت هذه الأزمة مع الفراغ الذي خلّفته الحكومات اليسارية أو التقدمية بعد هزيمتها في الإنتخابات . وقد ترتّب عن ذلك هزائم انتخابيه لليمين ، ولا يمكننا أن ننكر دور الحركات الجماهيرية التي تحدّت النظام السياسي /اليمين .

والحال متشابه في اكوادور وشيلي ، فالنّضال الجماعي ضد اليمين الليبرالي يحدثُ هذه المرة بعد تجربة ثريه و وعي أكبر ، كشف عن حدود التّغيرات المختلفة لليسار المركزي والإصلاحي. وهذا الوعي / التّغير يفتح باب الإستقطاب الذي يمكنِّ القوات اليسارية التي ترغب في مساعده الجماهير في مواجهة النظام الرأسمالي/اللّيبرالي إلى ان تتم عمليةنفيه كليا .

” الانذار البوليفي”

إن تطوير/عقلنة أي قوة يعتبر أمرا أساسيا. وبدون ذلك يولِّد مناخ الاستقطاب مأزقا وإحباطاتا جديدة تمهّد الطريق لعودة اليمين الرجعي ، كما كان الحال بالنسبة للبرازيل.

ومن ناحية أخرى نأخذ الإنقلاب الذي وقع في تشرين الثاني/نوفمبر في بوليفيا. والذي أثبت أن المؤسسة العسكرية وملاك الأراضي والبرجوازية الرجعية ٱغتنموا كل فرصة أتيحت لهم لفرض سيطرتهم أكثر وبدعم مكثف من الإمبريالية الامريكيه التي فرضت أيضا حضرا علي فنزويلا مثلما فعلته سابقا مع كوبا أو في وقت متأخر مع إيران أو كوريا الشمالية. ويمثل الانقلاب الذي وقع في بوليفيا جرس انذار لفنزويلا وجميع بلدان أمريكا اللاتينية. و يعدّ وضع بوليفيا وضعا اقتصاديا أكثر صعوبة من بقية المشاهد الإقتصادية السائدة في المنطقة .

وهنا أيضا ، ٱستفاد اليمين الأمريكي والإمبرياليه من استياء السكان في مواجهه الاستبداد المتزايد لحكومة موراليس ،و استفادوا أيضا من ضعف الحكومة بين قاعدتها الاجتماعية الخاصة و السكان الأصليين والفلاحين والعمال،وشرَعوا في مساعدة الرجعية على الإنقلاب.وبقي الحال نفسه لسنوات ،وبقيت حكومة موراليس تسعى للسيطرة على الحركات الاجتماعية ، وكبح العمل المستقل للجماهير . وحتى عندما قرر الاستقالة ومغادره البلاد تحت ضغط من الجيش واليمين المتطرف ، ٱستمر موراليس في الإصرار على المصالحة وليس علي مكافحه الانقلابيين.

ونتيجة لذلك ، أصبح العمال والفئات الشعبية قادرين علي الصمود ودون توجيه تبعي. وقد أوضحت هذه المقاومة البطولية بشكل مباشر أن الانقلاب لا يعني آليا وقف النضال الطبقي ، بل هو خطوة في عمليه معقدة.

وفي بوليفيا وفنزويلا ، يتمثل التحدي الكبير في بناء بديل سياسي يساري، يعارض بوضوح مناورات اليمين والإمبريالية و يعارض في نفس الوقت سياسات موراليس ومادورو المتسامحة مع الرأسمالية.

“عودة الإضراب العام”

مع الوضع الاقتصادي الحالي ، لم تعد الحكومات التي ادّعت التقدمية تتمتع بنفس الفسحة التي تمكّن تشافيز أو موراليس من الاستفادة منها.

ففي الإكوادور ( علي سبيل المثال) أُنتخبت حكومة “مورينو” مؤخرا باستخدام نفس الخطاب التقدمي الذي استخدمه رافائيل كوريا. ولكن في سعي منه لمواجهه الأزمة الاقتصادية ، سرعان ما تحول الأخير إلى اليمين ، وتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الذي بدأ في تبني سياسات ليبرالية. وقد أثار هذا في نهاية المطاف انتفاضه شعبيه واسعه النطاق . دفعت الحكومة إلى الوراء

إن عوده سلاح الإضراب العام يعد أحد أنجع البيانات الحاسمة لموجة النضال الحالية .ليس في الإكوادور فحسب ، بل أيضا في بوليفيا ردا علي الانقلاب و في البرازيل والأرجنتين وشيلي.

وقد شهدت الأرجنتين ما لا يقل عن خمس إضربات عامة ضدّ سياسة “ماكري” ، وهو سياق النضال الذي ساعد بشكل ملحوظ الحركة الجماعية ل “الأوشحة الخضراء” من أجل الحق في الإجهاض.

واليوم ، ومن وجهة نظر اقتصادية واجتماعية ، تشهد الأرجنتين وضعا قريبا جدا من الذي أثار الانتفاضة الشعبية المعروفة باسم “أرجينتينازو” في كانون الأول/ديسمبر 2001 ، عندما اضطر الرئيس “فرناندو دي لا ريو” إلى الاستقالة بموجب الضغط من الشارع ومغادر القصر الرئاسي بطائره هليكوبتر لتجنب الحشد الغاضب .

وفي شيلي ، كانت الاضرابات العامة في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر عرضا رائعا للقوه الجماهيرية. وفي الوقت نفسه ، تطورت المجالس المحلية في العديد من المناطق في جميع انحاء البلاد لمناقشه اتجاه الحركة.

لا يوجد حاليا حزب ثوري راسخ بما فيه الكفاية يرفض التصالح مع النظام ويدافع عن جمعية تأسيسية ثورية من العمال والشعب. والتي من شأنها أن تكون امتدادا للجمعيات واللجان الحالية. وتكون من مهام هذا الحزب الثوري أن يدافع عن إنشاء مثل هذه اللّجان الأساسية في مكان العمل وأن يقدم إستراتيجية حقيقية للإستيلاء على السلطة من قبل العمال والمظلومين ، والإطاحه بالرأسماليه والملكية الخاصة وتعميم القطاعات الاقتصادية الرئيسية .

وقد تسمح فترات جديدة بتطوير هذه القوى الإشتراكية الثورية الجماهيرية ، واستخلاص الدروس من الموجة الثورية الفاشلة التي حدثت في مطلع القرن ، وفشل الحكومات التقدّمية واليسارية المركزية.

ستفعل منظّمتنا الأمميّة كل ما بوسعها لبناء أدوات للنّضال الجماهيري لدفع حركة الصراع بهذه المنطقة من العالم .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: